الأربعاء - 15 أيار 2024

إعلان

أعطوا لبنان فرصة للقتال!

المصدر: "النهار"
تعبيرية ("النهار").
تعبيرية ("النهار").
A+ A-
كتبت لين زوفيغيان - رائدة أعمال وناشطة في بناء السلام:
 
 
ذات يوم، عند ممارستي رياضة الركض في أحد شوارع بيروت، شعرت باهتزاز أصاب معدتي، وإذ بي أشعر بتشنّج غير محتمل يُسيطر عليّ. لقد تحمّلت الألم، لم أكمل رياضتي، وعدت إلى منزلي.
 
لحظات بعد وصولي إلى المنزل، اهتزّت الأرض من حولي، وانهار كلّ شيء.

مُحي عُمر من التضحية والعمل الشّاق في مجرّد لحظات. تحوَلت كلّ غرفة في منزل والديَ إلى ساحة حرب. تفكّك تاريخ من الحب، والأمان والمغامرات، تاركاً وراءه بقايا زجاج مكسور، رخام ومجرد ذكريات، مطيحاً معه كلّ ما كنا نُعيره الاهتمام في الماضي.
 
لم أدرك في هذا النهار أن سنين من الإهمال كانت السبب وراء تدمير بيت والديَ. لقد دُمّر منزلنا الذي كان يكفل لنا الأمن والأمان. لقد زعزع انفجار بيروت أسس بلدنا، تاركاً أحشاءنا تنزف.
 
منذ ذلك اليوم، وبلادي تنزف بالجروح.

أيّها المجتمع الدولي، لقد تابعتنا بدهشة. لقد أدهشك صمودنا. وقلت لنا إنك لن تتخلّى عنّا.
منذ ذلك اليوم ونحن نعيد بناء ما تهدّم من المنازل وأماكن الإقامة، لكنّنا لم نتمكّن من إعادة بناء بيوتنا التي كانت الملاذ الآمن التي تأوي إليه أرواحنا.

لقد عاودت ممارسة رياضة الركض مؤخّراً، وعدت إلى المرور في الشوارع التي كنت أقصدها سابقاً؛ وإذ بي ألحظ أن إعادة إعمار بيروت قد توقّفت. رأيت بيروت مدمّرة، ومبانيها فارغة كمقابر مغطّاة بالباطون. لم يكن من السهل أن أرى وأصغي وأفهم بيروت؛ ومع ذلك لم يكن من الصّعب العمل لأجلها.

اليوم، نحن في صراع يُهدّد وجودنا؛ نحنا في صراع مع الوقت.
 
الصورة اليوم لا تختلف عن الأمس. فكما استغرق لبنان سنوات من الفساد وسوء الإدارة والإهمال في مرفأ بيروت ليدمّر العاصمة في لحظة، بانفجار كارثي، سيستغرق الوقت نفسه وربّما أكثر لإعادة بناء دولة، واقتصاد، ومجتمع وسلطة القانون.

لا يُمكننا العودة بالزمن إلى الوراء. لا يُمكننا استرجاع ما فقدناه. لكن يُمكننا التخفيف من عمليّة الدمار، وإنقاذ ما لم يتمّ تدميره. يُمكننا البدء بخطوات صغيرة، ثمّ إكمالها بخطوات ثابتة. كلّ قرار نتّخذه اليوم ليس مجرّد تسوية إنّما تضحية من أجل لبنان اليوم، والغد.
 
اليوم هو الوقت المثالي من أجل التأكّد من أن المساعدات الإنسانية ليست متواطئة في إبطاء عجلة الوقت، وإبطاء سرعة الموت في وطننا الحبيب.
 
يجب أن نعمل بعجلة، من دون التغافل عن أيّ خطوة أساسية. لا يجب أن نسمح للقدر وللمشاريع البالية بأن تأسرنا بقبضة من حديد، بل علينا التحرّر من كلّ القيود التي تكبّلنا وتسرق الوقت من أمامنا.

وعليه، يحتاج لبنان إلى تكاتف الجهود الوطنية والتضامن بين أبنائه، الّذين يتحلّون بالصبر، والقوة والمعرفة والأمل. علينا التجرّد من الدولة الفاشلة، والأحزاب السياسية، وإعادة تمكين مؤسّسات الدولة؛ علينا تفعيل دور المجتمع المدني والقطاع الخاص، ليكونوا أهل الثقة والحاضنين لمستقبل أفضل؛ علينا إعادة الاعتراف بوطنيّتنا لتفعيل ثقتنا بأنفسنا وبوطننا.

انفجار بيروت كشف الغطاء عن ممارسات الإهمال وعدم الكفاءة وانهيار الخطة الاستراتيجية لمؤسّسات الدولة.
 
عندما ارتجفنا وتحطّمنا ودمّرنا، ما من سياسيّ، و ما من مؤسّسة حكوميّة قدّمت لنا يد المساعدة. هذه الجريمة كانت ضدّ الإنسانية وشردت العديد من العائلات، بل هجّرتها؛ غير أن هذا الانفجار، مع كلّ قوته، لم يستطع أن يُطيح بالطمع وحبّ السلطة والفساد.

لقد أجبرنا على وداع أكثر من 200 شخص وقعوا ضحيّة الانفجار. الأجساد تموت مرة واحدة، إنما في بيروت تموت أرواحنا كلّ يوم بسبب الثقب الأسود لحاضر يترهّل مع الزمن.
 
الوقت وحده كفيل بالإظهار لنا إن كان الضحايا الذين سقطوا دفعوا دماً لبناء لبنان جديد!
أمّا الباقون منّا، فما زلنا على قيد الحياة. عند الساعة 18:12 من يوم 4 آب، نظرنا أنا وأهلي إلى بعضنا البعض بصدمة. هل من انفجار آخر؟ هل هناك من دمار أكبر؟ لم نتمالك كتم الخوف الذي لدينا حيال الخطر الذي يُهدّد وجودنا. لكن من ثَمّ أدركنا أننا بأمان بعيدين عن صدى الانفجار. حتى اليوم، لا يُمكننا إحصاء العجائب التي حمت لبنان في هذه اللحظات المدمّرة.

بعد مرور عام على 4 آب، تتعذّر الخيارات أمامنا في لبنان، ولا يبقى أمامنا سوى خيار واحد هو البقاء على قيد الحياة. حان الوقت اليوم لأن نعيد للبنان الخيار، خيار عدم الاستسلام للفشل.
 
 
*رائدة أعمال وناشطة في بناء السلام
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم